الذكاء الاصطناعي والضيافة- رحلة استكشاف في قلب الرياض
المؤلف: منى الدحداح11.22.2025

في رحاب العاصمة السعودية الرياض، خضت غمار تجربة فريدة ومفعمة بالإلهام، وذلك بحضوري فعاليات القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثالثة، تلك الفعالية المرموقة التي حظيت برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد الأمين. لقد حملت هذه القمة شعاراً بالغ الأهمية، ألا وهو "الذكاء الاصطناعي لخير البشرية"، وهو الشعار الذي يجسد الرؤية الطموحة للمملكة العربية السعودية في تسخير أحدث التقنيات لخدمة الإنسانية جمعاء.
منذ اللحظات الأولى التي لامست فيها قدماي أرض المملكة الطاهرة، شعرت وكأنني قد انتقلت إلى قلب ثورة تكنولوجية عارمة. الرياض، تلك المدينة العريقة والنابضة بالحياة، بدت وكأنها خلية نحل لا تهدأ، تعج بالابتكارات المذهلة والتقنيات المتطورة التي تعكس بجلاء رؤية المملكة 2030 الطموحة. لقد جمع هذا الحدث العالمي الضخم نخبة من ألمع الخبراء والمفكرين والمبتكرين من مختلف أصقاع المعمورة، وشهد مشاركة واسعة النطاق من قبل كبرى الشركات المحلية والعالمية، مثل أرامكو السعودية العملاقة، ومايكروسوفت الرائدة في مجال البرمجيات، وIBM ذات التاريخ العريق في مجال التكنولوجيا، وغوغل الشهيرة بمحرك البحث العالمي، وغيرها الكثير.
وقد سعت هذه الشركات إلى استعراض أحدث ابتكاراتها وما توصلت إليه من حلول مبتكرة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، فضلاً عن الكشف عن خططها المستقبلية الطموحة. ولم تقتصر فعاليات القمة على مجالات الصحة والتعليم فحسب، بل شملت أيضاً قطاعات السياحة والترفيه، مما يعكس النظرة الشاملة للمملكة في تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة.
لقد شهدت القمة مشاركة فاعلة من أكثر من مئة دولة، واستضافت ما يزيد على 450 متحدثاً بارزاً، كما تجاوز عدد الزوار الـ 50 ألف زائر، مما جعلها فرصة لا تقدر بثمن لاستكشاف أحدث التطورات والاتجاهات في هذا المجال الواعد. وعلى هامش هذه القمة، تم توقيع أكثر من 70 اتفاقية ومذكرة تفاهم محلية ودولية، مما يعكس الأهمية المتزايدة للتعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي. وإضافة إلى ذلك، شهدت القمة تنظيم أكثر من 150 جلسة حوارية وورشة عمل، وإطلاق أكثر من 25 مبادرة ومشروعاً محلياً ودولياً، وكان أبرزها الإعلان عن اعتماد المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي كمركز من الفئة الثانية برعاية منظمة اليونسكو.
بيد أن زيارتي إلى الرياض لم تقتصر على مجرد المشاركة في فعاليات القمة، بل كانت أيضاً رحلة استكشاف لثقافة غنية وتاريخ عريق، فضلاً عن فرصة لتجربة كرم الضيافة العربية الأصيل الذي تشتهر به المملكة العربية السعودية.
لم تكن القمة مجرد تجمع علمي، بل كانت بمثابة احتفال بالإبداع البشري وقدرة التكنولوجيا على تغيير العالم نحو الأفضل. لقد استمتعت أيما استمتاع بالمحاضرات والورش التي قدمت رؤى عميقة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتنوعة في مختلف المجالات. كما كانت الفرصة سانحة للتواصل المباشر مع نخبة من الخبراء والمتخصصين في هذا المجال الحيوي، وتبادل الأفكار والخبرات القيمة معهم.
بالتوازي مع المشاركة الفعالة في فعاليات القمة، خصصت جزءاً من وقتي الثمين لاستكشاف مدينة الرياض الساحرة. وقد أسرني ذلك المزيج الرائع بين حداثة المدينة وتراثها العريق. فمن المعالم الأثرية والتاريخية التي تحكي قصص الماضي العريق، إلى مراكز التسوق الفاخرة والحدائق الخلابة التي تبعث على الاسترخاء والهدوء، كانت الرياض تقدم تجربة متنوعة تلبي مختلف الأذواق والاهتمامات.
ولكن ما لفت انتباهي أكثر من أي شيء آخر هو كرم الضيافة وحسن الاستقبال الذي حظيت به من الشعب السعودي المضياف. لقد شعرت بالترحيب الحار في كل مكان ذهبت إليه، سواء كان ذلك في الفندق الفخم الذي أقمت فيه، أو المطاعم الراقية التي زرتها، أو الأماكن العامة التي تجولت فيها. كانت الابتسامات الصادقة والترحيبات الحارة ترافقني في كل خطوة، مما جعلني أشعر وكأنني في بيتي وبين أهلي.
كما أنني التقيت بعدد كبير من أفراد الجالية اللبنانية الكريمة الذين يعيشون ويعملون في المملكة العربية السعودية. وقد عبّروا عن مدى امتنانهم وتقديرهم للمعاملة الطيبة والرعاية الكريمة التي يتلقونها من المملكة، حيث يعتبرونها بمثابة بلدهم الثاني. ويثمنون عالياً الفرص التي تُتاح لهم للعمل والعيش بكرامة واحترام في هذا البلد المعطاء.
وأشار العديد منهم إلى أن الحكومة السعودية الرشيدة تقدم دعماً كبيراً للمغتربين، مما يسهل عليهم التكيف والاندماج في المجتمع السعودي. كما أن العلاقات الثقافية والاقتصادية الوثيقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية تساهم في تعزيز هذا الشعور بالانتماء، حيث يُعتبر اللبنانيون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي في المملكة.
في الختام، يمكنني القول بكل ثقة واقتناع بأن القمة العالمية للذكاء الاصطناعي لم تكن مجرد حدث تقني متخصص، بل كانت بمثابة بوابة واسعة لاكتشاف قلب المملكة العربية السعودية النابض بالحياة. لقد أدهشني التقدم التكنولوجي الهائل الذي تشهده المملكة، وأعجبت بحسن الضيافة وكرم الأخلاق الذي يتمتع به شعبها الأصيل، وأصبحت لدي ذكريات وتجارب لا تُنسى ستبقى محفورة في ذاكرتي إلى الأبد. وإنني أتطلع بفارغ الصبر إلى العودة مرة أخرى لاكتشاف المزيد والمساهمة في هذا التقدم المذهل الذي تشهده المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات.
